حق النبي عليه الصلاة و السلام على أمته
صفحة 1 من اصل 1
حق النبي عليه الصلاة و السلام على أمته
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبيربتبوك
بسم الله الرحمن الرحيم
فقبل الشروع في حق النبي عليه الصلاة و السلام على أمته ، يحسن بنا أن نتطرق إلى بعض الأمور التي قد يغفل عنهاكثير من المسلمين ، وهي مما يتعلق به عليه الصلاة والسلام ، والتي ينبغي على المكلف معرفتها والاهتمام بها حتى يعرف حق نبيه صلى الله عليه وسلم عليه ومن هذه الأمور :
أولاً : نسبه صلى الله عليه وسلم :
ذكر ذلك بن القيم في زاد المعاد فقال : [ فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كِلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بنكنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ] ، وقال رحمه الله إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة ، ومافوق عدنان مختلف فيه ولاخلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام ] انتهى .
ثانياً : مولده صلى الله عليه وسلم :
ولدعليه الصلاة والسلام يوم الاثنين الثاني عشر ربيع الأول عام الفيل
قال أبوقتادة الأنصاري : سأل رجل أعرابي رسول الله عليه الصلاة و السلام فقال : ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ قال : [ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أوحي إلي ] ( مسلم ) .
وعن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب ، قال : ولدت أنا ورسول الله عليه الصلاة و السلام عام الفيل ] ( الترمذي وإسناده حسن ) انظر سير أعلام النبلاء 1/33 .
ثالثاً : أسمائه صلى الله عليه وسلم:
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن لي أسماءً : أن محمد ، وأنا أحمد ، وأن الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأن الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأن العاقب] ( متفق عليه ) ، وجاء أيضاً : [أن محمد ، وأن أحمد ، وأن الحاشر ، وأناالماحي ، والختم ، والعاقب] ( وإسناده قوي ) ، وجاء أيضاً : [ أن أحمد ، ومحمد ، والمقفي ، والحاشر ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ] .
وعن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماءً فقال : [ أنا محمد ، وأحمد ، والحاشر، والمقفي ، ونبي التوبة ، والملحمة] ( مسلم ) .
وكنيته عليه الصلاة والسلام أبا القاسم ، وهذا مما تواتر عليه ، ونهي عليه الصلاة والسلام من التكني بكنيته ، وحث على التسمي باسمه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو القاسم عليه الصلاة و السلام : [تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي] ( متفق عليه ) انظر السير 1/38/39/40 .
رابعاً : بشريته صلى الله عليه وسلم :
فهو عليه الصلاة و السلام بشر مثل بقية البشر قال تعالى : [قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً] ( الإسراء 93) ، وقال تعالى : [ محمد رسول الله .....] ( الفتح29 ) وقال عليه الصلاة و السلام : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي )) [ متفق عليه ] ، وهي دلالة على أن محمداً عليه الصلاة و السلامرسول الله إلى الناس كافة بل إلى الثقلين ـ الجن والإنس ـ وقال الله جل وعلا:
[شرع لكممن الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى…..] ( الشورى13 )
والمذكورون في هذه الآية هم أولو العزم من الرسل فهم بشرولكن الله أكرمهم بالرسالة وغفر لهم جميعاً ، وقال الله جل وعلا :
[إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب….] ( آلعمران59 ) ، فهذه الآيات تدل دلالة قاطعة لاشك فيها أن الأنبياء بشر والله هوخالقهم ، ولكنه اصطفاهم برسالاته عن بقية البشر، فلا يُعبدون من دون الله ويحرمالغلو فيهم أو التوسل بهم بعد موتهم ، لأن ذلك من الشرك الأكبر المنافي للتوحيدوالمخرج من ملة الإسلام والنبي محمد عليه الصلاة و السلام من أولئك الأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل للعباد مبشرين ومنذرين قال تعالى:
[ ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل] ( آل عمران144 ) ، فلا يجوز الغلو فيه أو التوسل به بعد موته أو طلب العون أو المدد منه ، فإنه بشر مثل كل البشر فقد قال عليه الصلاة و السلام :
(( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخلالجنة أحداً عمله ، قالوا : ولا أنت يارسول الله ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدنيالله منه برحمة))
[ البخاري ومسلم ] .
فمن ذلك عُلم أن النبي عليه الصلاة و السلام بشر ولد وعاش ومات ، قال تعالى :
[وما محمدإلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب علىعقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين]
( آل عمران144 ) ،
وقال تعالى :
[ إنك ميت وإنهم ميتون ]
( الزمر30 ) ،
والخطاب للنبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة النبي عليه الصلاة و السلام ورسالة جميع الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لأن ذلك ركن من أركان الإيمان ، الذي لو سقط لضعف إيمان المرء معه وقد يهوي إلى الهاوية والعياذ بالله .
خامساً : فضله على جميع الخلائق :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله عليه الصلاة و السلام :
(( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)) [ مسلم ] .
وقيل أن السيد : هو الذي يفوق قومه في الخير، وقيل : هو الذي يُفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم .
وهوعليه الصلاة و السلام أفضل البشر على الإطلاق ،وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وخاتمهم ، قال : عليه الصلاة و السلام (( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلاموضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)) [ مسلم ] ، فهو سيد ولدآدم في الدنيا والآخرة ، ففي يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منازع ولامعاند له ، بخلاف الدنيا فقد نازعه في سيادته ملوك الكفار وزعماء المشركين ، وقوله عليه الصلاة و السلام أنا سيد ولد آدم لم يقله فخراً ، بل إنه صرح بنفي الفخر فقال عليه الصلاة والسلام : (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) [ الترمذي ]
وقوله أنا سيد ولد آدم ، كما قلنا لم يقلها مفاخرة بها وإنما قال ذلك لسببين:
الأول : امتثالاً لأمر ربه سبحانه عندما قال جل من قائل عزيز سبحانه : [وأما بنعمة ربك فحدث] ( الضحى11 ) .
الثاني : أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه لأمته ليعرفوه ويوقروه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضى ذلك الاعتقاد ويوقروه بما تقتضيه مرتبته .
فهو الذي يطلب من ربه ويسأله سبحانه يوم القيامة للفصل بين العباد وهو أول من يُشفع يوم القيامة ، فلهذا فهو أفضل الخلائق على الإطلاق ، صلوات ربي وسلامه عليه
سادساً : خصائصه صلى الله عليه وسلم :
لقد اخُتص النبي عليه الصلاة و السلام بخصائص نذكر بعضاً منها :
1- خاتم النبيين ، لقوله تعالى : [ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ] ( الأحزاب 40 ) .
2- سيد المرسلين ، لقوله صلى الله عليه و سلم : (( أنا سيد الناس يوم القيامة)) [ متفق عليه ].
3- لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ، لقوله تعالى : [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ] ( النساء 65 ) .
4- لا يقضى بين الناس يوم القيامة إلا بشفاعته .
5- أمة النبي صلى الله عليه و سلم هي أول الأمم دخولاً إلى الجنة ، لقوله عليه الصلاة والسلام (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة )) [ البخاري ومسلم ] .
6- صاحب لواء الحمد يحمله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة ويكون الحامدون تحته ، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة و السلام ، قال : (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر )) [ الترمذي ] .
7- صاحب المقام المحمود أي العمل الذي يحمده عليه الخلائق ، لقوله تعالى : [ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ] (الإسراء79) .
8- صاحب الحوض المورود ، أي الحوض الكبير الكثير واردوه .
9- إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم لحديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر )) [ الترمذي] وهو حسن .
10- أمته خير الأمم ، قال تعالى : [ كنتم خير أمة أخرجت للناس ]
( آل عمران 11) .
11- أمته صلى الله عليه و سلم جعلت شهداء على الأمم قال تعالى : [ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ] ( البقرة 143 ) .
12- أصحابه خير القرون .
13- أمته معصومة من الاجتماع على الضلالة وإجماعهم حجة .
14- نسخ شرعه جميع الشرائع السابقة قالصلى الله عليه و سلم : (( إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي)) [ أحمد والترمذي وصححه ] .
15- كتابه الذي أنزل عليه معجزة ومحفوظاً من التبديل قال تعالى : [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون] ( الحجر 9) .
16- جُعل أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قال تعالى : [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ] ( الأحزاب 6 ) .
17- ويلزم كل الناس أن يحبه أكثر من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين، قال صلى الله عليه و سلم (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) [ البخاري ] .
18- يحرم نكاح زوجاته من بعد موته وهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، وجعلن أمهات المؤمنين ، قال تعالى : [ وأزواجه أمهاتهم ] ( الأحزاب6 ) ، وقال تعالى : [ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ] ( الأحزاب 53 ) .
19- أولاد بناته ينسبون إليه دون غيره .
20- النجس منا طاهر منه ، وهو طاهر بعد موته بلا نزاع بين العلماء .
21- جعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً ونصر بالرعب مسيرة شهر قال صلى الله عليه و سلم : (( فضلت على الأنبياء وأعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون )) [ مسلم والترمذي ] .
22- بعث إلى الناس كافة في الحديث السابق دليل هذه النقطة .
23- نبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى وهذا في صحيح مسلم.
24- لا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي لقوله تعالى : [ ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ] ( الحجرات2 ).
25- أعطي جوامع الكلم .
26- لا ينادى باسمه فلا يقال ( يا محمد ) بل يقال يارسول الله يانبي الله ويخاطب في الصلاة بقوله : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
27- ومن رآه في المنام فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل به .
28- وكان لا يتثائب .
29- وتنام عيناه ولا ينام قلبه .
30- يرى من خلفه كما يرى من أمامه .
31- حل له أن يتزوج بأي عدد شاء من النساء .
وغير ذلك مما اختص به صلى الله عليه و سلم عن بقية البشر .
سابعاً : معنى شهادة أن محمداً رسول الله :
معناها: طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب مانهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاّ بما شرع.
فطاعته صلى الله عليه و سلم من طاعة الله عز وجل ، قال تعالى : [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ] ( آل عمران 331 ) .
وقال تعالى : [ قل أطيعوا الله والرسول ] ( آل عمران 32 ) ، وقال تعالى : [ من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء 80 ) ، وتصديقه صلى الله عليه و سلم في الأخبار الماضية والمستقبلية مما كان من أمور الغيب التي أطلعه الله عليها ، وتصديقه في ذلك من أوجب الواجبات .
ومن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله اجتناب مانهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم ، فكل مانهى عنه يجب اجتنابه وذلك مصداقاً لقوله تعالى : [ وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ] ( الحشر 7 ) ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) [ مسلم ] .
ثامناً : عبوديته صلى الله عليه وسلم :
فالنبي صلى الله عليه و سلم عبد من عباد الله وهو مملوك لله عز وجل ووصفه الله تعالى بالعبودية الخاصة كما قال تعالى : [ أليس الله بكافٍ عبده ] ( الزمر 26 ) ، فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة فهوصلى الله عليه و سلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين قال تعالى : [ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ] ( الفرقان1 ) ، فهو عبد لله تعالى ، أما الربوبية والإلهية فهما حق لله تعالى وحده لا يشركه في شي منهما أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فالنبي صلى الله عليه و سلم كما قلنا عبد الله ورسوله كما قال هو عن نفسه (( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ ابن حبان ] .
فلا يُرفع فوق منزلته عليه الصلاة والسلام ولا يكون له خصيصة من خصائص الألوهية فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه من الأمور الغيبية قال تعالى : [ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ( النمل65 ) ، وقال تعالى : [ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ] ( الجن 26 ، 27 ) ، فقد أطلع الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم على بعض الأمور الغيبية ، لذلك فهو لا يعلم الغيب من تلقاء نفسه ، ودليل ذلك أنه عندما سأله جبريل عليه السلام عن الساعة قال : (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) وقد علم صلى الله عليه و سلم مما أطلعه الله عليه أن ذلك السائل هو جبريل عليه السلام قال تعالى : [ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ] ( هود49 ) ، وقال تعالى : [ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمر وهم يمكرون ] ( يوسف 102 ) .
وكذلك فهو صلى الله عليه و سلم لا ينفع ولا يضر بنفسه ، ولا يُعتقد فيه أي أمر من أمور الألوهية أو الربوبية ولقد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات فقال جل من قائل سبحانه [ سبحان الذي أسرى بعبده ] ( الإسراء 1 ) .
فهوصلى الله عليه و سلم عبد الله ورسوله فلا يعطى ولا يرفع فوق منزلته هذه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) [مسلم].
فهو عبد الله ورسوله ، وصلوات ربي وسلامه عليه .
تاسعاً : النبي صلى الله عليه وسلم رحمة :
فهوصلى الله عليه و سلم رحمة على أمته رحيم رؤوف بهم مشفق عليهم ، قال تعالى : [ لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] ( التوبة 128 ) ، وقال تعالى : [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ] ( الأنبياء 107)
وقد حث أمته على التراحم فيما بينهم والتعاطف والشفقة من بعضهم على بعض وأن يكونوا كالجسد الواحد يساعد بعضهم بعضا ويقف بعضهم مع بعض فهو كما وصفه ربه سبحانه رحيم بالمؤمنين قال صلى الله عليه و سلم : (( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار بالسبابة والوسطى [ البخاري وأبو داود والترمذي ] ، وقال تعالى : [ فأما اليتيم فلا تقهر ] ( الضحى 9 ) .
وكذلك من الرحمة التي أوصى بها النبيr العناية بالأرملة والمسكين وذوي الحاجات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله )) [ البخاري ومالك ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قسوة قلبه فقال : (( امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين )) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
ومن رحمته صلى الله عليه و سلم بالفقراء قال فيهم : (( بئس الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء )) [ في الصحيحين ] ، وقد أوصى صلى الله عليه و سلم بالإحسان إلى البنات والنساء والضعفاء وما ذاك إلا من رحمته وشفقته على أمته .
فعن أنس رضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) [ رواه مسلم ] وجاريتين أي بنتين ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( اللهم إني أحرَّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) [ رواه النسائي بإسناد جيد ] ومعنى أحرج أي أنه يُلحق الإثم بمن ضيع حق اليتيم والمرأة ، وقال صلى الله عليه و سلم : ( هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم )) [ رواه البخاري مرسلا وأورده بمعناه النسائي في صحيح سنن النسائي 2/669 برقم ( 2978) ] ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) [ متفق عليه ] ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( من لا يَرحم لا يُرحم )) [ متفق عليه].
ومن رحمته صلى الله عليه و سلم أنه أوصى بالرحمة بالحيوان فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) [ ابن حبان ومسلم والدارمي وغيرهم ] .
وصور رحمته صلى الله عليه و سلم بأمته وشفقته عليهم كثيرة جداً ، فعليه الصلاة والسلام.
إمام الجامع الكبيربتبوك
بسم الله الرحمن الرحيم
فقبل الشروع في حق النبي عليه الصلاة و السلام على أمته ، يحسن بنا أن نتطرق إلى بعض الأمور التي قد يغفل عنهاكثير من المسلمين ، وهي مما يتعلق به عليه الصلاة والسلام ، والتي ينبغي على المكلف معرفتها والاهتمام بها حتى يعرف حق نبيه صلى الله عليه وسلم عليه ومن هذه الأمور :
أولاً : نسبه صلى الله عليه وسلم :
ذكر ذلك بن القيم في زاد المعاد فقال : [ فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كِلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بنكنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ] ، وقال رحمه الله إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة ، ومافوق عدنان مختلف فيه ولاخلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام ] انتهى .
ثانياً : مولده صلى الله عليه وسلم :
ولدعليه الصلاة والسلام يوم الاثنين الثاني عشر ربيع الأول عام الفيل
قال أبوقتادة الأنصاري : سأل رجل أعرابي رسول الله عليه الصلاة و السلام فقال : ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ قال : [ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أوحي إلي ] ( مسلم ) .
وعن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب ، قال : ولدت أنا ورسول الله عليه الصلاة و السلام عام الفيل ] ( الترمذي وإسناده حسن ) انظر سير أعلام النبلاء 1/33 .
ثالثاً : أسمائه صلى الله عليه وسلم:
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن لي أسماءً : أن محمد ، وأنا أحمد ، وأن الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأن الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأن العاقب] ( متفق عليه ) ، وجاء أيضاً : [أن محمد ، وأن أحمد ، وأن الحاشر ، وأناالماحي ، والختم ، والعاقب] ( وإسناده قوي ) ، وجاء أيضاً : [ أن أحمد ، ومحمد ، والمقفي ، والحاشر ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ] .
وعن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماءً فقال : [ أنا محمد ، وأحمد ، والحاشر، والمقفي ، ونبي التوبة ، والملحمة] ( مسلم ) .
وكنيته عليه الصلاة والسلام أبا القاسم ، وهذا مما تواتر عليه ، ونهي عليه الصلاة والسلام من التكني بكنيته ، وحث على التسمي باسمه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو القاسم عليه الصلاة و السلام : [تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي] ( متفق عليه ) انظر السير 1/38/39/40 .
رابعاً : بشريته صلى الله عليه وسلم :
فهو عليه الصلاة و السلام بشر مثل بقية البشر قال تعالى : [قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً] ( الإسراء 93) ، وقال تعالى : [ محمد رسول الله .....] ( الفتح29 ) وقال عليه الصلاة و السلام : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي )) [ متفق عليه ] ، وهي دلالة على أن محمداً عليه الصلاة و السلامرسول الله إلى الناس كافة بل إلى الثقلين ـ الجن والإنس ـ وقال الله جل وعلا:
[شرع لكممن الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى…..] ( الشورى13 )
والمذكورون في هذه الآية هم أولو العزم من الرسل فهم بشرولكن الله أكرمهم بالرسالة وغفر لهم جميعاً ، وقال الله جل وعلا :
[إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب….] ( آلعمران59 ) ، فهذه الآيات تدل دلالة قاطعة لاشك فيها أن الأنبياء بشر والله هوخالقهم ، ولكنه اصطفاهم برسالاته عن بقية البشر، فلا يُعبدون من دون الله ويحرمالغلو فيهم أو التوسل بهم بعد موتهم ، لأن ذلك من الشرك الأكبر المنافي للتوحيدوالمخرج من ملة الإسلام والنبي محمد عليه الصلاة و السلام من أولئك الأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل للعباد مبشرين ومنذرين قال تعالى:
[ ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل] ( آل عمران144 ) ، فلا يجوز الغلو فيه أو التوسل به بعد موته أو طلب العون أو المدد منه ، فإنه بشر مثل كل البشر فقد قال عليه الصلاة و السلام :
(( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخلالجنة أحداً عمله ، قالوا : ولا أنت يارسول الله ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدنيالله منه برحمة))
[ البخاري ومسلم ] .
فمن ذلك عُلم أن النبي عليه الصلاة و السلام بشر ولد وعاش ومات ، قال تعالى :
[وما محمدإلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب علىعقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين]
( آل عمران144 ) ،
وقال تعالى :
[ إنك ميت وإنهم ميتون ]
( الزمر30 ) ،
والخطاب للنبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة النبي عليه الصلاة و السلام ورسالة جميع الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لأن ذلك ركن من أركان الإيمان ، الذي لو سقط لضعف إيمان المرء معه وقد يهوي إلى الهاوية والعياذ بالله .
خامساً : فضله على جميع الخلائق :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله عليه الصلاة و السلام :
(( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)) [ مسلم ] .
وقيل أن السيد : هو الذي يفوق قومه في الخير، وقيل : هو الذي يُفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم .
وهوعليه الصلاة و السلام أفضل البشر على الإطلاق ،وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وخاتمهم ، قال : عليه الصلاة و السلام (( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلاموضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)) [ مسلم ] ، فهو سيد ولدآدم في الدنيا والآخرة ، ففي يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منازع ولامعاند له ، بخلاف الدنيا فقد نازعه في سيادته ملوك الكفار وزعماء المشركين ، وقوله عليه الصلاة و السلام أنا سيد ولد آدم لم يقله فخراً ، بل إنه صرح بنفي الفخر فقال عليه الصلاة والسلام : (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) [ الترمذي ]
وقوله أنا سيد ولد آدم ، كما قلنا لم يقلها مفاخرة بها وإنما قال ذلك لسببين:
الأول : امتثالاً لأمر ربه سبحانه عندما قال جل من قائل عزيز سبحانه : [وأما بنعمة ربك فحدث] ( الضحى11 ) .
الثاني : أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه لأمته ليعرفوه ويوقروه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضى ذلك الاعتقاد ويوقروه بما تقتضيه مرتبته .
فهو الذي يطلب من ربه ويسأله سبحانه يوم القيامة للفصل بين العباد وهو أول من يُشفع يوم القيامة ، فلهذا فهو أفضل الخلائق على الإطلاق ، صلوات ربي وسلامه عليه
سادساً : خصائصه صلى الله عليه وسلم :
لقد اخُتص النبي عليه الصلاة و السلام بخصائص نذكر بعضاً منها :
1- خاتم النبيين ، لقوله تعالى : [ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ] ( الأحزاب 40 ) .
2- سيد المرسلين ، لقوله صلى الله عليه و سلم : (( أنا سيد الناس يوم القيامة)) [ متفق عليه ].
3- لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ، لقوله تعالى : [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ] ( النساء 65 ) .
4- لا يقضى بين الناس يوم القيامة إلا بشفاعته .
5- أمة النبي صلى الله عليه و سلم هي أول الأمم دخولاً إلى الجنة ، لقوله عليه الصلاة والسلام (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة )) [ البخاري ومسلم ] .
6- صاحب لواء الحمد يحمله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة ويكون الحامدون تحته ، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة و السلام ، قال : (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر )) [ الترمذي ] .
7- صاحب المقام المحمود أي العمل الذي يحمده عليه الخلائق ، لقوله تعالى : [ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ] (الإسراء79) .
8- صاحب الحوض المورود ، أي الحوض الكبير الكثير واردوه .
9- إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم لحديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر )) [ الترمذي] وهو حسن .
10- أمته خير الأمم ، قال تعالى : [ كنتم خير أمة أخرجت للناس ]
( آل عمران 11) .
11- أمته صلى الله عليه و سلم جعلت شهداء على الأمم قال تعالى : [ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ] ( البقرة 143 ) .
12- أصحابه خير القرون .
13- أمته معصومة من الاجتماع على الضلالة وإجماعهم حجة .
14- نسخ شرعه جميع الشرائع السابقة قالصلى الله عليه و سلم : (( إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي)) [ أحمد والترمذي وصححه ] .
15- كتابه الذي أنزل عليه معجزة ومحفوظاً من التبديل قال تعالى : [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون] ( الحجر 9) .
16- جُعل أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قال تعالى : [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ] ( الأحزاب 6 ) .
17- ويلزم كل الناس أن يحبه أكثر من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين، قال صلى الله عليه و سلم (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) [ البخاري ] .
18- يحرم نكاح زوجاته من بعد موته وهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، وجعلن أمهات المؤمنين ، قال تعالى : [ وأزواجه أمهاتهم ] ( الأحزاب6 ) ، وقال تعالى : [ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ] ( الأحزاب 53 ) .
19- أولاد بناته ينسبون إليه دون غيره .
20- النجس منا طاهر منه ، وهو طاهر بعد موته بلا نزاع بين العلماء .
21- جعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً ونصر بالرعب مسيرة شهر قال صلى الله عليه و سلم : (( فضلت على الأنبياء وأعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون )) [ مسلم والترمذي ] .
22- بعث إلى الناس كافة في الحديث السابق دليل هذه النقطة .
23- نبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى وهذا في صحيح مسلم.
24- لا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي لقوله تعالى : [ ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ] ( الحجرات2 ).
25- أعطي جوامع الكلم .
26- لا ينادى باسمه فلا يقال ( يا محمد ) بل يقال يارسول الله يانبي الله ويخاطب في الصلاة بقوله : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
27- ومن رآه في المنام فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل به .
28- وكان لا يتثائب .
29- وتنام عيناه ولا ينام قلبه .
30- يرى من خلفه كما يرى من أمامه .
31- حل له أن يتزوج بأي عدد شاء من النساء .
وغير ذلك مما اختص به صلى الله عليه و سلم عن بقية البشر .
سابعاً : معنى شهادة أن محمداً رسول الله :
معناها: طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب مانهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاّ بما شرع.
فطاعته صلى الله عليه و سلم من طاعة الله عز وجل ، قال تعالى : [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ] ( آل عمران 331 ) .
وقال تعالى : [ قل أطيعوا الله والرسول ] ( آل عمران 32 ) ، وقال تعالى : [ من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء 80 ) ، وتصديقه صلى الله عليه و سلم في الأخبار الماضية والمستقبلية مما كان من أمور الغيب التي أطلعه الله عليها ، وتصديقه في ذلك من أوجب الواجبات .
ومن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله اجتناب مانهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم ، فكل مانهى عنه يجب اجتنابه وذلك مصداقاً لقوله تعالى : [ وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ] ( الحشر 7 ) ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) [ مسلم ] .
ثامناً : عبوديته صلى الله عليه وسلم :
فالنبي صلى الله عليه و سلم عبد من عباد الله وهو مملوك لله عز وجل ووصفه الله تعالى بالعبودية الخاصة كما قال تعالى : [ أليس الله بكافٍ عبده ] ( الزمر 26 ) ، فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة فهوصلى الله عليه و سلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين قال تعالى : [ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ] ( الفرقان1 ) ، فهو عبد لله تعالى ، أما الربوبية والإلهية فهما حق لله تعالى وحده لا يشركه في شي منهما أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فالنبي صلى الله عليه و سلم كما قلنا عبد الله ورسوله كما قال هو عن نفسه (( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ ابن حبان ] .
فلا يُرفع فوق منزلته عليه الصلاة والسلام ولا يكون له خصيصة من خصائص الألوهية فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه من الأمور الغيبية قال تعالى : [ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ( النمل65 ) ، وقال تعالى : [ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ] ( الجن 26 ، 27 ) ، فقد أطلع الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم على بعض الأمور الغيبية ، لذلك فهو لا يعلم الغيب من تلقاء نفسه ، ودليل ذلك أنه عندما سأله جبريل عليه السلام عن الساعة قال : (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) وقد علم صلى الله عليه و سلم مما أطلعه الله عليه أن ذلك السائل هو جبريل عليه السلام قال تعالى : [ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ] ( هود49 ) ، وقال تعالى : [ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمر وهم يمكرون ] ( يوسف 102 ) .
وكذلك فهو صلى الله عليه و سلم لا ينفع ولا يضر بنفسه ، ولا يُعتقد فيه أي أمر من أمور الألوهية أو الربوبية ولقد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات فقال جل من قائل سبحانه [ سبحان الذي أسرى بعبده ] ( الإسراء 1 ) .
فهوصلى الله عليه و سلم عبد الله ورسوله فلا يعطى ولا يرفع فوق منزلته هذه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) [مسلم].
فهو عبد الله ورسوله ، وصلوات ربي وسلامه عليه .
تاسعاً : النبي صلى الله عليه وسلم رحمة :
فهوصلى الله عليه و سلم رحمة على أمته رحيم رؤوف بهم مشفق عليهم ، قال تعالى : [ لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] ( التوبة 128 ) ، وقال تعالى : [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ] ( الأنبياء 107)
وقد حث أمته على التراحم فيما بينهم والتعاطف والشفقة من بعضهم على بعض وأن يكونوا كالجسد الواحد يساعد بعضهم بعضا ويقف بعضهم مع بعض فهو كما وصفه ربه سبحانه رحيم بالمؤمنين قال صلى الله عليه و سلم : (( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار بالسبابة والوسطى [ البخاري وأبو داود والترمذي ] ، وقال تعالى : [ فأما اليتيم فلا تقهر ] ( الضحى 9 ) .
وكذلك من الرحمة التي أوصى بها النبيr العناية بالأرملة والمسكين وذوي الحاجات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله )) [ البخاري ومالك ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قسوة قلبه فقال : (( امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين )) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
ومن رحمته صلى الله عليه و سلم بالفقراء قال فيهم : (( بئس الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء )) [ في الصحيحين ] ، وقد أوصى صلى الله عليه و سلم بالإحسان إلى البنات والنساء والضعفاء وما ذاك إلا من رحمته وشفقته على أمته .
فعن أنس رضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) [ رواه مسلم ] وجاريتين أي بنتين ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( اللهم إني أحرَّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) [ رواه النسائي بإسناد جيد ] ومعنى أحرج أي أنه يُلحق الإثم بمن ضيع حق اليتيم والمرأة ، وقال صلى الله عليه و سلم : ( هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم )) [ رواه البخاري مرسلا وأورده بمعناه النسائي في صحيح سنن النسائي 2/669 برقم ( 2978) ] ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) [ متفق عليه ] ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( من لا يَرحم لا يُرحم )) [ متفق عليه].
ومن رحمته صلى الله عليه و سلم أنه أوصى بالرحمة بالحيوان فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) [ ابن حبان ومسلم والدارمي وغيرهم ] .
وصور رحمته صلى الله عليه و سلم بأمته وشفقته عليهم كثيرة جداً ، فعليه الصلاة والسلام.
لاجيء عاطفي- عضو اساسي
- عدد المساهمات : 194
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 41
الموقع : الاردن / عمان / المشيرفة
مواضيع مماثلة
» صور من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
» خصائص النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
» لماذا مشى النبي صلى الله عليه وسلم على أنامله - قصة جميلة ولا أروع
» من فضائل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
» (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) هذا ما قاله النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تكشف عنه الأبحاث الجديدة، لنقرأ......
» خصائص النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
» لماذا مشى النبي صلى الله عليه وسلم على أنامله - قصة جميلة ولا أروع
» من فضائل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
» (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) هذا ما قاله النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تكشف عنه الأبحاث الجديدة، لنقرأ......
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى